الخميس، 29 أغسطس 2013

الفتوى الشرعية في تحليل المثلية الجنسية

مقال أكثر من رائع كتبه الأخ/ ماهر الحاج ونشره على جزئين في موقعه (http://www.homosexualityishalal.com/) ، قمت انا بجمع المقال بجزئيهونشرته هنا وأرجو لكم الإستفادة منه.
clip_image001
الجزء الأول
الوحدة الأولى
من أنا ولماذا هذا العمل
clip_image002



من أنا؟
هل كنت أعاني من المس الشيطاني؟ أم لعله كان حسداً أو شعوذة؟ كان ذلك موضوع جلستي مع أحد الشيوخ المتخصصين في تلك الأمور والتي عقدت بتدبير من عائلتي في مدينة العقبة الأردنية في خريف عام ١٩٩٩. فبعد كل ما بذلته عائلتي من محاولات عقيمة لاصلاحي، لم يكن أمامهم أي سبيل آخر: فإما أن أكون ممسوسا بشيطان أو جنيّ ملعون أو مسحورا بشعوذة ما أو أنني سقطت ضحية للعين والحسد. فالأمر بدا واضحا لهم وبوادر هذا المساس كانت ظاهرة علي؛ إذ أني كنت هزيلا، نحيفا، حزينا، نافرا، غير مواظب على دراستي وفي دوام غامض على وحدتي. هذا أيضاً كان تحليلا مبررا ومنطقيا لرسوبي في الثانوية العامة من بعد ما أن كنت الأكثر تفوقا بين زملائي. فما الحكاية؟

الثلاثاء، 30 يوليو 2013

المثليون في السودان

يتصور البعض لمثليين في السودان ان لهم وضع خاص بهم،لاكنه لا يختلف كثيرًا عن غيرهم في الدول العربية والإسلامية… تكاثرت أعدادهم بصورة ملحوظة… وزادت تجمعاتهم وأماكن لقاءاتهم، لكن حياتهم ليست تبات ونبات. فالمثليون في مصر شأنهم شأن أي جماعة متطرفة أو خارجة عن القانون، الشرطة تداهم أوكارهم بين الحين والآخر والقانون يطاردهم بعقوبات ت، والمجتمع لا يتسامح معهم لذلك يضطر المثليون إلى التكتم على ميولهم وعدم التصريح بها أمام الآخرين.

ومن هذا المنطلق حاولت ان اكتب سلسلة من المقالات التي قد تفيد القارئ في هذا LGBT-week-013، إلا أن العديد من المحللين وخبراء علم النفس والإجتماع يختلفون حول الأسباب التي تدفع بالفرد إلى المثلية، منهم من يرجعها إلى العامل البيولوجي وآخرون إلى عامل التربية والبيئة المنزلية ومنهم يعيدها إلى خلل نفسي، ويقترب العلماء في بعض الجامعات الأوروبية من إقتراح نتيجة علمية جديدة حول نشأة المثلية الجنسية وهو أن نزعة المثلية الجنسية تأتي بالفطرة والولادة.

ولا تزال هذه الظاهرة في العالم العربي تسيطر عليها المجتمعات السرية واللقاءات البعيدة من أعين المجتمع، إذ إنها تعد من المحرمات التي يرفضها المجتمع ويجرمها القانون. ويشهد العالم العربي مؤخرًا حركات تطالب بحقوق المثليين والظهور العلني، فخرجت في بيروت مؤخرًا تظاهرة صغيرة تطالب بإلغاء بعض المواد التي تجرّم المثلية، بالإضافة إلى مطالبات أخرى. وهي تعتبر المرة الأولى التي تخرج فيها مثل هذه التظاهرة في بلد عربي، ويبدو أنّ هناك تنسيقًا بين هذه الجماعات في الوطن العربي حيث محاولة تسجيل جمعية رسمية في الأردن، والإعلان عن مثلها في المغرب.

السوال الاهم هل المثليّة الجنسيّة فطريّة أم مكتسبة

مثليّ جنسيّ، ثنائيّ الجنس، مشتهٍ للمغاير…كثير من الباحثين حاولوا ويحاولون إلى الآن أن يعثروا على منابت نوازعنا الجنسيّة. ومن الحتميّة الوراثيّة حتّى التّفسيرات التّحليليّة النّفسيّة، هذا عرض صغير لليقينيات…

هناك دراسات سوسيولوجيّة متنوّعة تسمح لنا اليوم بالتّأكيد على أنّ المثليّة الجنسيّة موجودة في جميع المجتمعات. وتكاد النّسبة المئويّة للأشخاص ذوي الميول المثليّة الجنسيّة تكون هي نفسها في كلّ المجتمعات وعلى امتداد العصور. من الواضح أنّ السّلوك المثليّ كونيّ وحاضر منذ القدم. وحسب الإحصائيات، تشمل المثليّة الجنسيّة الحصريّة حوالي 3 % من سكّان الأرض. وهي نسبة يجب أن نضيف اليها ذوي النّزعات الثّنائيّة الجنس أوالمثليين الجنسيين الظّرفيين.

نحو تفسير بنيويّ: الهوس الأمريكيّ

سنة 1991، نشر الدّكتور لوفاي Le Vay في معهد سالك Salk بالولايات المتّحدة دراسة تشريحيّة لقسم من الدّماغ هو تحت المهاد l’hypothalamus) ) لواحد وأربعين جثّة تشريحيّة توفّي أصحابها بسبب أمراض مختلفة وكان من بينهم 16 مثليّا جنسيّا. فأظهر أنّ بنية صغيرة جدّا تدعى INH3 ، معروفة بأنّ لها دورا نشيطا في السّلوك الجنسيّ عند الثّدييات، كانت أقلّ حجما لمرّتين في أدمغة المثليين الجنسيين الخاضعين للدّراسة.

سنة 1993، جرّب فريق طبّيّ آخر بإدارة دين هامر Dean Hamer أن يثبت الخاصّيّة الوراثيّة للمثليّة الجنسيّة، من خلال إيعازه بوجود خاصّيّة مميّزة على الذّراع الطّويلة في الصّبغ أيكس، لا تنقل إلاّ عن طريق الأمّ، ويتواتر وجودها عند المثليين الجنسيين.

وأخيرا، في شهر أفريل المنصرم، حاول فريق طبّيّ أمريكيّ آخر أن يظهر رابطا بين رسم اليد الذّكريّة والسّلوك الجنسيّ. فبفعل الهرمونات الذّكريّة، تكون سبّابة الرّجال أقصر من بنصرهم. والحالة هذه، فانّ للنّساء المثليات، حسب رأي الفريق الطّبّيّ، يدا تحمل الخاصّيات الذّكريّة!

مختلف هذه الدّراسات اختارت الفرضيّة البنيويّة لتفسير المثليّة الجنسيّة، ساعيّة إلى تأكيد خاصّيتها الغريزيّة. وسواء اتّجهت نحو تفسيرات تشريحيّة أو وراثيّة أو هرمونيّة، فإنّها تحاول أن تثبت أنّ الإنسان يولد ومعه نزوع جنسيّ غيريّ أو مثليّ أو ثنائيّ bisexuel، مستقلّ عن تربيته وعن بيئته.

خاصّيّة فطريّة؟ لا دليل رغم الدّعم الكبير..

غالبا ما تلقى هذه الدّراسات دعما من جماعات ذات مصالح متباينة. هكذا مثلا تسعى جمعيات مثليّة جنسيّة إلى إثبات أنّ المثليين ليسوا مسئولين عن مثليتهم بما أنّها غريزيّة. وعلى النّقيض منها، تهتمّ اللّوبيات المحافظة بتلك الدّراسات لإثبات أنّ المثليين الجنسيين هم أناس معوّقون.

إنّ هذه الدّراسات الّتي أجريت على عدد ضعيف من المعالجين لم تأت بأيّ دليل على الخاصّيّة الهيكليّة للمثليّة الجنسيّة. ففي كلّ مرّة حاول فيها باحثون أن يكرّروا التّجربة فشلوا تماما في الحصول على النّتائج نفسها ومن جهته، قام علم النّفس التّحليليّ كثيرا بتأويل المثليّة الجنسيّة وسيرورة تشكّل الهويّة الجنسيّة، من خلال تحاليل مختلفة حسب اختلاف المدارس ( الفرويديّة أو اللاّكانيّة ).

 

نقلا عن: مدونة http://rainbowsudan.wordpress.com



الأربعاء، 10 يوليو 2013

المثلية الجنسية في الرواية العربية

|محمد ديبو|

شكلت المثلية الجنسية أحد المواضيع الجاذبة للرواية العربية، وتأتي جاذبيتها من كونها موضوعا مثيرا و مسكوتا عنه في آن. وتناولت الرواية موضوع المثلية بشقيه الذكري والأنثوي، معالجة موضوعا كان يعتبر إلى القريب واحدا من المحرمات الممنوع تداولها روائيا، رغم وجودها بكثرة في كتب التراث العربي الإسلامي.

وعالجت بعض الروايات الموضوع بشكل عرضي من خلال مشهد عابر ضمن سياق الرواية، أي اكتفت بالإشارة إلى وجود الظاهرة دون التطرق إليها، وبعضها الآخر عالجه بشكل جذري جاعلا منها موضوعا للرواية برمته.

ويمكننا أن نلاحظ في الفترة الأخيرة تكاثر الروايات التي تتحدث عن المثلية الجنسية، ومنها “شارع العطايف” الصادرة حديثا عن دار الساقي للكاتب السعودي عبد الله بن بخيت، ورواية “رائحة القرفة” لسمر يزبك، و”أنا هي أنت” لإلهام منصور، وقصة ” الدرس الأول” لصاحب هذه السطور في المجموعة القصصية “خطأ انتخابي” الصادرة حديثا عن دار الساقي، إضافة إلى مذكرات محمد شكري في “الخبز الحافي” التي تعتبر من الأعمال الأولى التي تحدثت بجرأة عن هذا الموضوع فاتحة الباب لطرح الموضوع من أوسع أبوابه.

ولكن قبل محمد شكري سبق لغادة السمان أن عالجت موضوع المثلية الأنثوية في إحدى قصصها وكذلك نزار قباني في إحدى قصائده:

مطر.. مطر.. وصديقتها معها، ولتشرين نواح والباب تئن مفاصله ويعربد فيه المفتاح شيء بينهما .. يعرفه اثنان، انا والمصباح وحكاية حب.. لا تحكى في الحب ، يموت الايضاح

الحجرة فوضى . فحلى ترمى .. وحرير ينزاح ويغادر زر عروته بفتور ، فالليل صباح الذئبة ترضع ذئبتها ويد تجتاح وتجتاح ودثار فر .. فواحدة تدنيه ، واخرى ترتاح وحوار نهود اربعة تتهامس ، والهمس مباح كطيور بيض في دغل تتناقر .. والريش سلاح حبات العقدين انفرطت من لهو ، وانهد وشاح

حاولت الروايات التي عالجت موضوع المثلية فهم المثلية الجنسية وطبيعتها وأسبابها لدى معتنقيها. فرأى بعض هذه الأعمال أن الأمر مكتسب عن طريق التعرض لاعتداءات نفسية في الطفولة وبعضها أعاده إلى أسباب طبقية واجتماعية يأتي الفقر في مقدمتها وقليل منها أعاد الأمر إلى موضوع جيني فطري يجعل من صاحب الهوية الجنسية المثلية حائرا بين مجتمع يرفض هويته وبين نوازعه وشهواته التي تضغط عليه بشدة فيعيش حالة من اللا توازن والخوف.

المثلية كنتاج لأسباب اجتماعية طبقية

عالجت سمر يزبك في روايتها “رائحة القرفة” موضوع المثلية الجنسية من خلال علاقة سيدة بخادمتها، حيث تدخل علاقة السيد والعبد بقوة في تحليل العلاقة المثلية، محيلة الأمر في أحد جوانبه إلى علاقة سيطرة فيها خاضع و مخضوع. فالسيدة تفرض قوتها على مخدومتها لتغدو الأخيرة خاضعة لها لا بفعل مثليتها بل بفعل ضعفها. فهي مجرد فقيرة لا تستطيع رفض طلب سيدتها وولية نعمتها. ومن جهة أخرى فهي بحاجة إلى حنان (أيا كان هذا الحنان). ولكن بعد فترة من العلاقة نجد أن الأمور تنقلب فتصبح السيدة عبدة بين فخذي مخدومتها، وتصبح الخادمة سيدة في الليل وخادمة في النهار. ونجد أن الخادمة تسعى لفرض سلطتها من خلال انتقامها من سيدتها التي نهرتها يوما لأنها نسيت نفسها في فراشها حتى الصباح. فتقيم علاقة مع زوجها لتنتقم من سيدتها التي أهانتها، الأمر الذي يجعل من ممارسة المثلية لدى الخادمة مجرد سبب لتحقيق أهداف معينة أي أنها مثلية عارضة، مكتسبة بفعل خارج فرضها لأسباب اجتماعية (الفقر) وطبقية (علاقة السيدة بخادمتها).

أما بالنسبة للسيدة في الرواية فنجد أن المثلية أيضا تبدو مكتسبة فهي ناتجة عن إهمال الزوج وغياب الحب وفراغ الوقت ونتيجة الإحساس بثقل القيم الزائفة التي يفرضها مجتمع الطبقات المخملية، أكثر مما هي حاجة داخلية لدى السيدة أي أنها تعويضا عن غياب ما.

هنا نلاحظ أن سمر يزبك في روايتها تعيد المثلية الجنسية إلى أسباب خارجية تفرضها عوائق الحياة، ويمكن لهذه المثلية أن تختفي بمجرد انتفاء الأسباب المؤدية لها.

ويمكن القول إنّ الرواية لم تسع لفهم الأسباب الداخلية لشخصياتها إذ عالجت أسباب الخارج ونسيت أسباب الداخل، فبقيت الرواية تعاني نقصا ما، ولكنها رغم ذلك سلطت الضوء على جوانب هامة من المسكوت عنه روائيا.

في مذكرات محمد شكري الرائعة “الخبز الحافي” يروي محمد شكري كيفية اصطحاب أحد الاسبانيين له في سيارته، ليأخذه على منطقة معينة ويقوم بعدها بمصّ عضوه الذكري وبعد الانتهاء يقوم الاسباني باعطاء محمد شكري بعض النقود وهنا يكتشف محمد شكري أنّ جسده يدرّ المال، فيقوم بممارسة هذا الشيء عندما يعضه الجوع، وبعدها لا يذكر محمد شكري أيّ أثر لممارسته المثلية. بل نراه يسرد علاقاته الكثيرة مع العاهرات، الأمر الذي يدل أنه اضطر إلى ممارسة المثلية بفعل الفقر لا أكثر ولا أقل، وهنا نجد أن السبب خارجي مفروض من الخارج بعيدا ن نزوعات الشخصية ودواخلها.

في روايته “شارع العطايف” يسرد عبد الله بن بخيت حيوات ثلاثة شبان سعوديين يعيشون في شارع العطايف(فحيج وسعندي شنغافة). شارع فقير مهمل تجتمع فيه كل أسباب الانحراف. شارع تفرض فيه علاقات القوة سطوتها على الجميع. الأمر الذي يجعل من المثلية ناتجا مفروضا من قبل الأقوياء على الضعفاء، حيث نجد شخصيات مهزومة ومكسورة تشكل مثليتها عبئا عليها بالدرجة الأولى. فتضطر إلى ممارسة الجنس المثلي بسبب الانغلاق و التوق إلى أنثى غائبة يصعب رؤيتها والالتقاء بها في مجتمع مغلق، وبسبب التعرض للاغتصاب في الطفولة، وبسبب وجود طاقة جنسية لا يمكن تفريغها إلا من خلال العلاقات المثلية. فتصبح المثلية مجرد جسر لتفريغ المكبوت. حيث نلاحظ أن شخصيات الرواية تحلم بالزواج كي تتخلص من واقع مثليتها، فهي في الداخل تحتقر مثليتها أو اضطرارها لممارسة المثلية وتنظر لها كعيب ينبغي التخلص منه، منتظرة أن تسنح لها فرصة الزواج كي تتخلص من مثليتها، ولكن أقدار الرواية تجنح بها نحو مصير واحد ينتهي بها إلى الموت.

في الروايات الثلاث السابقة نجد أن المثلية ناتجة بفعل خارجي يفرض ثقله على الشخصيات فتجبر على ممارسة المثلية، وأغلب هذه الأسباب اجتماعية – طبقية: الفقر وعلاقة السيد بالعبد و خضوع العبد لسيده وسعيه للانتقام منه عن طريق إخضاعه له جنسيا بجعله موضوعا لرغبته الجنسية. أي نجد أن الروايات تنظر ضمنيا للمثلية كمرض اجتماعي ينبغي التخلص منه. عيب اجتماعي ينتهي بمجرد انتفاء الأسباب المؤدية له، فلا نجد في الروايات إي موقف داع إلى حرية الشخص في اختيار هويته أو أي دفاع عن المثليين أو تبنّ لقضيتهم ولو بشكل موارب. بل على العكس نجد في “شارع العطايف” وضوحا في إظهار المثلية كعيب حتى إن الشخصيات نفسها تسعى للتحرر من مثليتها وتخجل منها. أما في روايتي “رائحة القرفة” والخبز الحافي” فنجد أن الأمر مستتر وليس واضحا تماما. ولكنه لا ينظر إليه من زاوية الحق في تحديد الهوية الجنسية الخاصة بكل فرد، فلا نجد خطابا تحرريا يسعى لجعل الموضوع خيارا فرديا بل هو يرد الأمر إلى أسباب خارجية بعيدا عن مناقشة دواخل الشخصيات.

11429588-homosexual-copule-in-love-symbols-on-green-blackboard

المثلية كنتاج لأسباب جينية/ داخلية

تعتبر رواية “أنا هي أنت” الرواية الوحيدة التي عالجت موضوع المثلية الجنسية من خلال رؤية تحررية تنظر إلى المثلية كحق من الحقوق الفردية التي لا يحق لأحد التدخل فيها.

تحكي الرواية قصة سهام التي تكتشف مثليتها أثناء دراستها في فرنسا حيث تتعرف على صديقتها كلير لتعيش معها قصة حب نادرة، إلى أن تأتي أم سهام لزيارتها، فتضطر سهام بحكم تربيتها الشرقية وانتمائها إلى ثقافة ترفض هذا الأمر إلى إخفاء الأمر والابتعاد عن صديقتها كي لا تكتشف أمها علاقتها مع كلير. ولكن صديقتها كلير تتذمر من هذا الوضع وتطلب من سهام حسم موقفها وتنتقد ضعفها أمام أمها وعدم دفاعها عن حريتها وحقها في اختيار هويتها الجنسية فتنفصل عنها.

تعود سهام إلى لبنان الغارق في حربه، تحمل معها حيرتها وهويتها الجنسية التي لا تعرف كيف تتعامل معها في مجتمع لا يعترف بأمر كهذا. فتسعى لفهم هويتها وكيف تكونت لديها، فتتذكر طفولتها حيث ترى بين الحلم والواقع يد أمها أو جدتها وهي تدغدغ لها ظهرها في الطفولة، لتبدأ هويتها بالتشكل من هناك أو ربما كان هذا الأمر هو المحفز الأول الذي بدأت تعي معه ميلها نحو الإناث ونفورها من الرجال.

تتعرض سهام لنكسة جديدة بعد تخلي صديقتها اللبنانية عنها وذهابها إلى أحضان رجل أحبها في خريف عمرها. فتسعى سهام لكامل طاقتها لاستعادتها، فتذهب إليها وتتذلل لها إلى أن يقوم الحبيب الجديد لصديقتها بتهديدها بالقتل، فتبتعد مذعورة، خائفة مرتبكة، تبحث عمن يسمع لها ويمسح جروحها ويهدهد شهوتها. فتجد ضالتها لدى أستاذتها في الجامعة “ليال” التي تستمع لها وتحاول سهام استمالتها، فترفض الدكتورة ولكنها تبقي على علاقتها معها كصديقة، لنكتشف في نهاية الرواية أن ليال هي الأخرى مثلية!

تبين لنا الرواية حيرة سهام وضياعها بين مجتمعها الذي يرفضها وهويتها التي تبحث عن حقها في الإشباع، فالأم تقول لها بلهجة قاسية تعكس نظرة المجتمع : أموت ولا أريد أن أعرف أنك منهن!

وتدخل الرواية عالم المثلية الأنثوي من خلال تسليطها الضوء على حالات مختلفة : سهام التي لا تجد نفسها إلا في المثلية الأنثوية، وميمي المتزوجة التي تمارس الجنس المثلي بعد أن مارست الغيري.

تذهب الروائية إلى موضوعها قادمة من منطقة الحرية التي تنظر للأمر من دائرة الحرية الشخصية التي لا يحق لأحد التدخل بها، مدافعة وإن بشكل ضمني عن حق بطلتها في الاعتراف بهويتها وحقها في إشهارها، حيث نجد لغة متعاطفة مع البطلة، تشرح عذابها وضياعها وتشرّد شهواتها في ممرات ضيقة ساعية لايجاد منافذ نور تعبر عن ذاتها من خلالها.

في النهاية، يمكن القول إن الرواية العربية عالجت موضوع المثلية وفق نظريتين اثنتين وهما السائدتان عالميا حتى الآن:

الأولى ترى في الأمر مرضا اجتماعيا – طبقيا ينشأ عن ظروف معبنة تتعرض لها الشخصية في الطفولة (اغتصاب – فقر- ..) ومثّل هذا الاتجاه روايات “رائحة الفرقة” و”الخبز الحافي” و”شارع العطايف”..

الثانية عالجت الموضوع من قبل النظر له كمفهوم جيني أي أنّ الإنسان يولد ومعه نزوع جنسيّ غيريّ أو مثليّ أو ثنائيّ، وهذا يدخل في نطاق الحرية الشخصية التي لا يحق لأحد التدخل بها، ناظرة إلى الموضوع من الداخل (الجيني ) و الخارج ( ضغوط مجتمع وفقر وموضوع طبقي) مثل ” أنا هي أنت”.

(عن “الأوان”؛ نشر المقال عام 2009 وبالتالي فهو لا يغطي فترة السنتين الأخيرتين (ولكننا ارتأينا نشره لقيمته وأهميته))

نقلا عن: مدونة http://rainbowsudan.wordpress.com



الثلاثاء، 16 أبريل 2013

اللغة والهويّة: المثلية في التاريخ العربي

قول ابراهيم محمود في كتابه المتعة المحظورة: الشذوذ الجنسي في تاريخ العرب: “اذا كانت اللغة هي هوية الانسان، علامته الفارقة، فهي كذلك الدالة عليه، والمؤرخة له في المقابل… ان اللغة مجتمع قائم بذاته، من حيث قابليتها للتحوّل، والتجذر في الذاكرة، والاغتناء، وتفكك المعنى وموت معنى وانبعاث آخر. وهي في تحولاتها هذه، تشكل تاريخا واضحا حول صانعها، عدا كونها تاريخا له وعنه.”

فما هو تاريخنا كمثليات عربيات ومن صنع تاريخنا أدبا وتراثا؟85158

إمكانية إيجاد معلومات محايدة او داعمة للمثلية الجنسية هي قليلة جدا. هناك الكثير من الكتابات السلبية التي تتعامل مع المثلية الجنسية كشذوذ وانحراف. اما المراجع التي تتناول المثلية الجنسية كهوية جنسية وتتعامل معها بشكل طبيعي هي قليلة جدا وكأنها ابرة بين كومة قش. كمثلية فلسطينية تهمها القراءة عن احد مركبات هويتها (مثليتي الجنسية)، في كل مرة اكتشف كتابا أو كاتبة أو كاتبا كتبوا عن المثلية الجنسية العربية، أشعر كأني اكتشفت كنزا ثقافيا!

عندما سمعت في المرة الأولى عن د. سمر حبيب وعن كتابها المثلية الجنسية الأنثوية في الشرق الأوسط، Female Homosexuality in the Middle East، انتابني شعور رائع وكدت ألا أصدق عيني. ولما قرأت لأول مرة جوزيف مسعد ”اعادة توجيه الرغبة: المثلية العالمية والعالم العربي” Re-Orienting Desire: The Gay International and the Arab World فهمت الفرق بيني أنا – المثليّة الفلسطينيّة – وبين المرأة المثليّة الغربيّة كحركة سياسية. وقبل فترة قصيرة تعرفت الى كاتبة جديدة عن طريق مذكراتها تحت عنوان Damascus Diary، وفيها فيها كتبت الكاتبة السورية عن تجربتها مع سائق التاكسي في الطريق إلى الجامعة وعن، الحارس على باب الجامعة. تشجعت كثيرا وتفاءلت، وكأن طاقة جديدة نفخت في داخلي، وقلت في نفسي: “اذا هي بسوريا عندها القوة انها تناضل من اجل مكانتها وذاتها، ليش انا ما اقدر؟”.

هذه القراءات وهذه النصوص داعمة ومدعّمة في الوقت نفسه، وتشعرني كمثلية عربية بالفخر، وبأني جزء من  ارث ثقافي وحضاري وسلوكي. عندما أقرأها، أتأكد بأني لست وحدي، وانني جزء من مجتمع مثلي عربي، يكتب وينشر ويلقي الضوء علي وعلى شرعية وجودي وشرعية وطبيعة وجودنا كمثليين وكمثليّات. وقع هذه القراءات علي كان قويا جدا، وتعلمت منها الكثير. الشعور الأول الذي انتابني عند قراءتها، كان أنه: ” لو أن أمي، أبي، أختي، او أخي يقرؤونها، لكانوا فهموا ان مثليتي هي طبيعية، وأني جزء من مجموعة كبيرة ومن هذا المجتمع”.

ليس للمثلية الجنسية، جنسية غربية أو شرقية أو طائفية. والدليل أن تلك الصبية الموجودة في سوريا تمر بتجارب مثل تجاربي، وكذلك المثليات في لبنان والأردن ومصر والعراق والخليج العربي. ان هؤلاء الكتاب والأشخاص، أبطال القصص والروايات والقصائد، هم كلهم\ن عرب، وهم\ن اثبات على ان المثليّة الجنسية ليست هوية استوردتها المجتمعات العربية من الغرب. عندما أدركت ذلك، بدأت أفكر في أهمية الكتابة بلغتي، بالعربي، لأنها واحدة من مركبات هويتي الأساسية، وان تناسيت مرات أو نسيت.

وهنا، أود ان أعود بالزمن إلى الوراء، إلى تاريخنا وأدبنا وثقافتنا العربية، لأرى ماذا كتب عني؟ عنا؟ اي كلمات إستعمِلت؟ ما كانت دلالاتها وأبعادها ومعانيها؟ أين استعملت؟ وأي غرض خدمت؟

هناك اتهام دائم للمثليين العرب، بأن مثليتهم مستوردة من الغرب. لكن من الواضح للجميع (وان كان معظم الناس ستجاهلون الحقيقة عن قصد ويتسترون عليها) ان المثلية الجنسيّة كانت موجودة في الحضارة العربيّة والحضارة الاسلامية، وهناك دلالات تاريخية وأسماء وكتابات تؤرخ علاقات جنسية وحميمية بين أشخاص من الجنس نفسه.

وهنا، أود أن أورد مجموعة أمثلة هي غيض من فيض الأدب المثلي الذي يعج به التاريخ العربي. وفيما يلي اقتباسات من نصوص الشاعر العربي الكبير أبو نواس:

اضجرني الناس يقولون: تب (3)

مالي للناس وما شانيهْ؟

ان كنت للنار فما حيلتيْ؟

عذبني الله واشقانيهْ!

او كنت للجنة احيا بها

فما عليكم يا بني الزانيةْ؟

وفي مكان آخر، يتحدث أبو نواس عن حبه لأبي عبيدة النحوي فيقول: (4)

صلى الاله على لوط وشيعته

ابا عبيدة قل بالله: آمينا

لأنت عندي بلا شك زعيمهم

منذ احتملت ومنذ جاوزت ستينا

ويقول مصعب الكاتب (5)

انا الماجن اللوطي ديني واحد

واني في كسب المعاصي لراغب

الوط ولا ازني فمن كان لائطا

فاني له حتى القيامة صاحب (274)

لكن اذا ما أردنا ان نبحث عن السحاق في الأدب والتاريخ العربي، فهو شبه غائب تماما، وتلك نتيجة طبيعية لغياب المرأة في الأساس عن ساحة الحياة الثقافية والسياسية والفكرية في ذلك العصر.

يقول ابراهيم محمود “تاريخ الجنسانية يغيّب في تاريخه ما هو من صميم بنيته (السحاق) الوجه الآخر للواط! وعدم ذكر السحاق، بمثابة نفي الاعتراف به. فهو كحدث حسي غير ملاحظ، انه ثابت، او يكاد، يعيش فرا وتخفيا (يتحدث الكاتب هنا عن البظر) مقابل القضيب الملاحظ جيدا. ثمة استقلالية يتباهى بها قضيب الرجل، وهذا ينعكس على الثقافة عموما، بتذكيرها بقوة!” ( كتاب “المتعة المحظورة”)

ولكن برغم ذلك، نجد فقرة كتبت في عهد الخليفة المأمون عن السحاق ويرد فيها: (6)

السحاق قديم في النساء، ولهن به لذة يهون عندهن الافتضاح به والاشتهار به. وأول من سنّ السحق ابنة الحسن اليمني، وكانت وفدت على النعمان بن المنذر فأنزلها عند امرأته هند، فعشقتها وشغفت بها، وكانت هند أحسن أهل زمانها…. وبلغ من شغف كل واحدة بالأخرى ما لم يكن بين امرأتين قط قبلهما، فلما ماتت ابنة الحسن اعتكفت هند، امرأة النعمان، على قبرها واتخذت الدير المعروف بدير هند في طريق الكوفة. وفيها يقول الفرزدق مخاطبا جرير بن عطية يهجوه:

وفيت بعهد منكَ كان تكرما كما لابنة الحسن اليماني وفت هند
(رشد اللبيب ص. 123-4) (بقول الحسن اليمني المتوفّى عام 850 ميلادية)

وهنا أود أن أتوقف عند مفردة “سحاق”، وهي مشتقة من فعل “سحق” الشيء، أي دقّه دقّا شديدا. اذا، في فعل “السحق” دلالة فعل عنيف بين جهتين، وكأن احدة العاشقتين تسحق الأخرى! ولعل ذلك هو السبب الذي دفع بنساء تلك الفترة إلى استبدال كلمة “سحاقية” بـ”ظريفة”.

يقول التفاشي (7) ” انهن يسمين أنفسهن: الظراف. فاذا قلن فلانة “ظريفة” علم بينهن انها سحاقية. وهن يتعاشقن كما يتعاشق الرجال، بل اشد. وتنفق احداهن على الأخرى كما ينفق الرجل على عشيقته، بل أكثر اضعافا مضاعفة حتى يبلغن فيه، على الانفاق، الألوف والمئين…”

ويفسر لنا محمود سبب اختيار كلمة ظريفة ويقول (8) ” الظرف هو الوعاء ويترادف مع ما تملكه المرأة (اي الفرج) وثمة اسقاط للمعنى حيث يتم استظراف المرأة لسواها، وميلها اليها، سواء باعتبارها عاشقة او معشوقة، وفي الحالتين، فهما تشتركان وعائيا، في صفة تجمعهما معا ”. (294)

بكل الأحوال، السحاق واللواط موجودان في تاريخنا وفي أدبنا وجودا بارزا واضحا، وأية محاولة لانكار ذلك هي محاولة خاطئة، قامعة، غبية، متخلفة وجبانة. كثيرا ما يعتبر اللواط والسحاق شذوذا، واذا ما فكرنا في الأمر، نجد أنه فعلا شاذ. لكن ما معنى شاذ وشذوذ؟ ما هي دلالتها الحقيقية خارج الشعور بالاشمئزاز؟ (9)

بحسب تعريف المنجد،

شذ عن الجمهور او الجماعة: ندر عنهم وانفرد.

وشذ عن الاصول – خالفها

والشذاذ من الناس – الذين يكونون من القوم وليسوا من قبائلهم، القلال.

في قراءتنا للماضي، ولكل ما يتعلق باللواط والسحاق، نجد أن “الأخلاقيات” المفروضة اجتماعيا كانت قامعة وضاغطة إلى حد أنها شوهت التاريخ والأدب وغيرتهما. فقد نجحت المحاولات الكثيرة في ربط اللواط والسحاق بكل ما هو غير اخلاقي وبكل ما هو غير طبيعي. وهنا، يبرز دور جمعيات المجتمع المدني وحقوق الانسان والمثليين، في تقديم قراءة جديدة وصادقة للتاريخ، وفي اعادة تشكيل اللغة والتوثيق، وتوفير خطاب نقيض لهذا الخطاب.

بعد التواصل مع الماضي، أود أن أعود إلى الحاضر لأقتبس عن الناشطة النسوية الفلسطينية عرين هواري، في حديثها عن المثلية الجنسية ونقدها لما هو مقبول وغير مقبول في امسية لجمعية “القوس” في حيفا:

الصحيح واضح ومعروف، للجنسانية حدود واضحة، فالجنس هو اما ذكر او انثى وكل ما عداه اما شاذ او ناقص او غير طبيعي، والميل الجنسي واحد وهو مغاير وكل ما عدا ذلك فهو شاذ او كافر ومثير اما للسخرية واما  للغضب واما  للغثيان. والجسد الجميل هو نموذج واضح، او بعض نماذج واضحة، اللون واضح، والوزن واضح.  والبيت هو ايضا صفقة واحدة، له حدوده، وله قوانينه، وله منظومته البطريركية، وكل من يخالفها فهو ليس من أهل البيت.

اليوم، أود أن أعرض للتغيرات التي حدثت للمثلية الجنسية في الألف سنة الأخيرة، اذ أن غالبية الاقتباسات التي ذكرتها من قبل تعود لحوالي سنة 800 او 850 ميلادي.

احدى التغييرات الجذرية التي نراها اليوم، دخول كلمة “مثلي ومثليّة ومثليين ومغايرين” الى قاموس اللغة العربية. هذه الكلمة تعتبر كلمه ايجابية ومحايدة. ونحن، كأفراد وكجمعيات مثليّة وجمعيات تعنى بحقوق انسان وحقوق اقليات وحقوق مرأة، علينا واجب مرافعة هذه الكلمة وادخالها  أكثر الى الحيز العام للاستخدام والأدب، أكاديميا واعلاميا.

وأود أن أشير إلى أن هناك بالفعل تغير ملحوظ على هذا الصعيد، وأنا شخصيا، في الاعلام والاكاديميا والادب الفلسطيني، ألحظ أن هذه الكلمة باتت حاضرة وموجودة بشكل جيّد نسبيا. ولكن للأسف، ما زلنا نشهد استخدام كلمة “شذوذ جنسي” و”انحراف” عند الحديث عن المثلية في الصحافة والتلفزيون والانترنت، ولا بد من تغيير هذا الواقع. حتى في الكتابات التي تعد اليوم راديكالية مثل قصة ”انا هي انت”، “الواد والعم”، “عمارة يعقوبيان”، “مسك الغزال”، “الآخرون”، ما زال هناك حضور قوي جدا لهذه المفردات. لكن على الضفة الأخرى، هناك أماكن تعتمد تعبير “شواذ” و”انحراف” فقط، وأماكن أخرى تعتمد كلمة “شواذ” مع كلمة “مثلية جنسية”، وأماكن اخرى – وان كانت قليلة جدا - تعتمد فقط تعبير “مثلية جنسية”، ومن الواضح من خلال التعبير المختار، موقف الجهة المؤلفة من موضوع المثلية الجنسية.

مثلا، عن كتاب “الواد والعم” ، تقول جريدة الوطن السعودية:

قصة ”الواد والعم” تحكي قصصاً واقعية من اليأس والغضب التي يمر بها أبطال الرواية على مسرح الواقع. يسعى الكاتب ببراعة لإظهار الانحراف الفكري الشاذ لدى فئات معينة في المجتمع.

وفي رواية عمارة يعقوبيان  يصف علاء الاسواني “حاتم”، الشخصية المثليّة في الرواي،  ”انه من الشواذ المحافظين. و كان الشذوذ في حياة حاتم هامشيا محددا بإحكام. ولم يكن مجرد مخنث. بل هو شخص موهوب. وصل بكفاءته وذكائه الی قمة نجاحه المهني.. هو مثقف من أعلی مستويات، يجيد عدة لغات بطلاقة. يريد ان يضيق حياته الشاذة و يقتصرها علی الليالي و يعيش يومه العادي كصحفي و مسئول قيادي وفي الليل يمارس لذته لبضع ساعات في الفراش. ”

وفي وصف كتاب “أنا هي انت”، كتب موقع النيل والفرات: (13)

“أنا هي أنت”، تُبْرز، بكثير من الجرأة والصراحة والعفوية، مسألة تشكل هاجساً مرعباً عند كثيرات تضطرهن الظروف الإجتماعية والنفسية وحتى البيولوجية إلى علاقات مثلية، لا ترضي فيهن موضع الشَبَقُ وحسْب، وإنما عطشهن إلى المستحيل يجسد  شذوذهن وسلوكهن في الطريق المرتجى إلى أجسادهن وشهواتهن”.

بعيدا عن هذه المصطلحات المتحيزة، نجد أماكن قليلة استعملت فيها مفردة “مثليّة الجنس” فقط من دون ربطها بشذوذ او انحراف، مثل الفقرة الموجودة في موقع رياض الريس عن كتاب “انا هي انت”. فقد ورد ما يلي:

لم يوجد حتى الآن امرأة عربية بحثت موضوع العلاقات المثلية عند النساء بشكل مباشر. أحياناً كانت تجري معالجة الموضوع بين الذكور أما بالنسبة إلى الإناث فبقي الأمر محظوراً على الدوام ، لأن المرأة الشرقية تعيش في فضاء من المحرمات والممنوعات. هذه الرواية تَصَدّى لموضوع العلاقات المثلية كواحدة من الحقائق التي لم يعد ينبغي السكوت عنها.

من خلال هذا الاستعراض السريع للتاريخ والحاضر العربيين في التعامل مع المثلية الجنسية ومصطلحاتها، من الواضح أن هناك تغيير جيد، لكن ما زال هناك الكثير لنعمل من أجله. وكي نستمر في هذا التغيير، من المهم جدا ان نتذكر ان التوثيق والكتابة باللغة العربية هي الطريقة الأنجع والأقوى للتغيير، والرد على الخطاب النقيض، وتقديم حقائق عادلة ومتحررة من القمع والتغييب الذي استعمل في كل ما يتعلق بالمثليّة الجنسيّة والهويات والميول الجنسيّ.

ولأننا جزء لا يتجزأ من مجتمعنا وحضارتنا التي يربطنا فيها رابط لغوي، اجتماعي، ثقافي، سلوكي، تاريخي ومصيري، سنستمر في العمل من أجل حقوقنا وتحقيق المساواة. ونحن نعلم ونؤمن بأن اللغة العربية قادرة على احتواء الهوية الجنسية والمثليّة الجنسية كما قامت بذلك في الماضي، بالرغم من سياسة االتهميش المتعمدة لتغييبنا.

نحن اليوم نعمل على استرجاع هذه اللغة واستخدامها من جديد وفي بعض الحالات، اعادة خلقها وتشكيلها لتحقق أغراضنا وتحتوي قضايانا.

الكاتبة ريما حوا هي مركزة مشروع المعلومات والمنشورات في مجموعة أصوت – نساء مثليات فلسطينيات

 

نقلا عن: http://rainbowsudan.wordpress.com



الخميس، 21 مارس 2013

الجنسية المثلية

لماذا نقول الجنسية المثلية وليس الشذوذ الجنسي؟ ليس هذا لأننا لا نؤمن أن الجنسية المثلية نوع من الخروج عن التعبير الطبيعي للجنس، ولكن لأن عبارة الشذوذ الجنسي قد حملت على مدار السنين الكثير من الإيحاءات المهينة والمقللة من شأن المثليين. نحن مثلاً لا نحب أن ندعو من فقد بصره “أعمى” ولكن نقول “كفيف”. أيضاً لفظ شذوذ جنسي لا يقدم وصفاً واضحاً ودقيقاً للحالة. فللشذوذ الجنسي أنواع عديدة؛ مثل ممارسة الجنس مع الحيوانات والتلصُّص والاستعراض وغيرها.

لا يوجد تعريف شامل واحد للجنسية المثلية. ربما من الأسهل أن نقول ما ليس جنسية مثلية. الجنسية المثلية ليست عيباً وراثياً ولا اختلالاً هورمونياً ولا مرضاً عقلياً ولا هي نتيجة لتسلُّط الأرواح الشريرة. الجنسية المثلية تعني انجذاب الرجال عاطفياً وجنسياً للرجال أمثالهم والنساء للنساء. لماذا يختبر الناس هذا الانجذاب لنفس الجنس؟n_11040_4

الجنسية المثلية سلوك يتم تعلُّمه من خلال عوامل متعددة مركبة تشكل سلوك الإنسان. منها ما يقع الإنسان تحت تأثيره بلا اختيار منه ومنها ما هو اختيار شخصي. كثير من الجنسيين المثليين شعروا منذ طفولتهم أنهم مختلفين وبالتالي يعتقد الكثيرون أنهم مولودون هكذا. أيضاً كثيراً ما تعطي المجلات والتلفزيون الانطباع أن العلم قد اكتشف أن الجنسيين المثليين يولدون هكذا.

لكن الإحساس المبكر بالاختلاف ليس هو العامل الوحيد. البعض يعتقدون أن بعض الناس يصبحون جنسيين مثليين لأنهم اختاروا ذلك. لكن أغلبهم لا يختارون أن يكونوا هكذا. ميلنا الجنسي ليس من الأمور التي نستطيع أن نغيّرها بإرادتنا بسهولة. بالطبع ما نفعله يخضع لإرادتنا. وبالطبع سلوكياتنا الجنسية تخضع لإرادتنا فنحن نستطيع أن نختار الطريقة التي نتجاوب بها مع مشاعرنا. مشاعرنا تدفعنا إلى سلوكيات معينة ولكننا نستطيع أن نسيطر على مشاعرنا. أيضاً ليس كل من يشعرون بالميل نحو نفس الجنس يحبون أن يُطلق عليهم لفظ Gay أو lesbian

عامل آخر يجب ملاحظته وهو ما حدث لهؤلاء الأشخاص في حياتهم. ربما تعرضوا لجروح نفسية تؤثر على شعورهم تجاه أنفسهم. فربما تعرضوا للانتهاك الجنسي أو عاشوا في علاقات سيئة مع والديهم (من خلال عملنا مع العديد من الذين يصارعون مع مشاعر الجنسية المثلية نعلم أن الكثيرين تعرضوا لمثل هذه الأمور). بالطبع ليس كل من يتعرض لإساءات جنسية أو من كانت له علاقة سيئة بوالديه يصبح منجذباً نحو نفس الجنس. وليس كل من لديهم ميل لنفس الجنس، تعرضوا للانتهاك الجنسي. بمرور الوقت تعمل كل هذه العوامل معاً: الجروح والانتهاكات التي تعرضوا لها وكمّ المساعدة التي حصلوا أو لم يحصلوا عليها لتجاوز هذه الجروح والإساءات والاختيارات التي اختاروا أن يفعلوها كرد فعل لهذه الجروح وكل هذا قد يؤدي في النهاية إلى انجذابهم لنفس الجنس.

على العموم، هناك عدّة عوامل مختلفة وبدرجات مختلفة من الأهمية تؤثر في حياة الناس. ربما تشتمل هذه العوامل على:

1-  عوامل ولدوا بها (استعداد وراثي لنوع من الشخصية)

2-  خبرات سيئة في الطفولة مثل الإساءات الجنسية أو الرفض من الوالدين أو الأقران

3-  كم ونوع التعضيد والمساندة التي حصلوا عليها كأطفال ومراهقين للتعامل مع ما كان يحدث وقتها.

4-  نوع التربية الأخلاقية التي تلقوها كأطفال ومراهقين.

5-  الاختيارات التي اختارها هؤلاء الأشخاص للتعامل مع مشاعرهم وميولهم.

6-  كم الوضوح أو التداخل بين دور الرجل والمرأة في الثقافة.

لا يوجد شخصان يعيشان في أسلوب الحياة المثلي لنفس الأسباب. ربما كانت الخلفية الأسرية لأحدهم سيئة وربما عاش أحدهم تربية مثالية منضبطة من حيث الحب والحزم في البيت. صحيح أن العلاقة بالأهل يمكن أن تؤثر في الجنسية المثلية ولكننا لا نستطيع أن نعتبرهم مسئولين تماماً عن هذا الأمر. الشخص المثلي ليس ضحية للظروف تماماً فاختياره الشخصي له دور أيضاً ولكن التفاعل بين العوامل التي ليس له دور فيها والعوامل التي من اختياره معقدة جداً وخاصة جداً بالنسبة لكل شخص. لذلك فإن الله وحده هو الذي لديه الحب الكافي والعلم الكافي لكشف أسرار ما حدث والبدء في إحداث التأثير العكسي من الجنسية المثلية نحو الشفاء.coming-out

ليس كل الجنسيين المثليين متورطين في السلوكيات الجنسية المثلية بنفس الدرجة. تختلف درجات التورط من:

أولاً: من يعيش فقط في الخيالات الجنسية.

ثانياً: من يمارس سلوكيات جنسية لكن لا يعتبر الجنسية المثلية هوية خاصة به.

ثالثاً: من يعيش الهوية المثلية وأسلوب الحياة المثلي كأسلوبه المفضل للحياة، فيسمي نفسه مثلياً gay وينخرط في الثقافة المثلية والمجتمع المثلي الموجود في كل ثقافة أو دولة، ربما فوق الأرض في بعض الدول وتحت الأرض في دول أخرى لا يزال المثليون فيها لا يحصلون على اعتراف رسمي من الدولة والمجتمع.

رابعاً: من يعيش الجنسية المثلية كقضية سياسية واجتماعية فيدافع عن أسلوب الحياة المثلي. مثل هؤلاء قد ينظمون ويشاركون في مظاهرات و مسيرات لتأييد أسلوب الحياة المثلي، وربما يكونون عدوانيين مع من يتفق معهم في الرأي.

http://www.youtube.com/watch?v=XyiCcdwlp-4

لذلك عندما نتعامل مع المثليين، يجب أن ندرك أنهم بشر مثلنا، لهم أحاسيسهم واحتياجاتهم. قد لا نتفق مع أسلوب حياتهم، لكن هذا لا يحرمهم من حقهم في القبول والاحترام. في واقع الأمر يُعد حصولهم على الحب والقبول والاحترام من الغيريين (غير المثليين) خطوة أساسية في شفائهم من الجنسية المثلية.

 

 

نقلا عن: http://rainbowsudan.wordpress.com